أثار التقرير الموضوعاتي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان حول “وضعية المساواة والمناصفة بالمغرب : صون وإعمال غايات وأهداف الدستور”، المقدم يوم 20 أكتوبر 2015، جدلا كبيرا في مجموعة من المنابر الإعلامية والمواقع الاجتماعية التي فضلت تناول جزءا من القضايا والملاحظات الواردة من بين عشرات النقاط التي تناولها هذا التقرير والتي شملت الإشكالات والاختلالات التي تشوب كلا من الممارسة الاتفاقية والمفارقة القانونية، والمساواة والمناصفة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذا السياسات العمومية وآثارها على النساء الأكثر عرضة لانتهاك حقوقهن.
إننا في الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب إذ نثمن ما جاء به هذا التقرير من تشخيص وتوصيات والتي ما فتأت الحركة النسائية تترافع من أجلها، نعتبر اختزال التقرير في موضوع واحد (المساواة في الإرث) يشكل تغليطا للرأي العام، ونستنكر بشدة هذه الهجمة التي تتعرض لها مؤسسة وطنية مستقلة لمحاولة النيل منها، في الوقت الذي يغض فيه النظر عن التأخر غير المفهوم والتراجع عن المكتسبات التي تعرفها قضية المساواة بين الجنسين في المغرب، في ظل دستور متقدم في المجال وهذا تحديدا ما يبرزه تقرير المجلس. إن هذه الهجمة، -التي تذكرنا حدتها بمعركة تعديل مدونة الأسرة- تعتبر ترهيبا فكريا على المدافعين عن حقوق الإنسان عامة وحقوق النساء بشكل أخص من قبل جهات تنصب نفسها كمتحدثة باسم الدين مستغلة إياه سياسيا مع العلم أن هناك مؤسسة دستورية يعهد إليها دور الإفتاء (الفصل41 من الدستور).
إننا في الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب إذ ندين هذه المواقف وما يدعمها من حجج بعيدة عن واقع الأسر المغربية في خضم التحولات الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية للمغرب، وعن متطلبات تحقيق التنمية البشرية المستدامة، وتحقيق الكرامة والمواطنة غير المنقوصة للمغربيات كما المغاربة، ندعو:
– جميع الأطراف إلى نقاش مجتمعي هادئ حول منظومة المواريث وذلك استجابة لحاجة مجتمعية وحل وضعيات واقعية، حيث أن المغربيات قد برهن على قدراتهن في كل المجالات، وتقاسمن مسؤولية الأسرة بشكل مشترك مع الرجال، ناهيك عن نسبة الخمس من الأسر التي تتكفل بها حصريا النساء، وعن مساهمتهن في تنمية ثروة الأسرة دون أدنى الضمانات لحقوقهن في حالة وفاة الزوج أو الأب ؛
– علمائنا الأجلاء أن يقدموا الاقتراحات والحلول الملائمة لكل الوضعيات والأخذ بعين الاعتبار تنوعها في أفق إقرار العدالة الاجتماعية وما تتطلبه من عدل وإنصاف ومساواة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بشكل يضمن عدم التمييز بين مواطناته ومواطنيه ولا يقلل من القيمة الإنسانية للكل ولا يكيل الكرامة بمكيالين ؛
– المسؤولين حكومة وبرلمانا إلى التسريع بأجرأة الالتزامات والإفراج عن القوانين قيد الدراسة وتلك الموضوعة في رفوف اللجن لا سيما المتعلقة بهيئة المناصفة ومحاربة كل أشكال التمييز والمجلس الاستشاري للأسرة والطفل، وإلى الالتزام بتطبيق سياسات عمومية تحترم أسس ومقاربة النوع الاجتماعي عوض التماطل وخلق نقاشات هامشية غرضها الإلهاء والتحريض أمام التعثر غير المبرر والذي تؤكده مختلف الدراسات والتقارير الوطنية والدولية عبر مؤشرات علمية ودقيقة…
إن طبيعة المقاومات التي يعرفها ملف حقوق النساء وحجم انتظاراتنا كنساء ورجال ورهانات التنمية المطروحة على اقتصاد المغرب والحسم في هذه الرهانات والتحديات عبر الدستور ومن خلال التعهدات الدولية للمغرب، تتطلب المرور من المساواة وعدم التمييز ليس كشعارات بدون محتوى بل بالتفعيل الحقيقي لهذه الحقوق عبر ملائمة الترسانة القانونية وإعمال كافة الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في منأى عن كل الحسابات السياسوية الضيقة والتوافقات السلبية التي يكون الخاسر الأول فيها هو المغرب وتنميته.